RSS

في رحيل عباس كيورستامي قراءة في سينما الإنسان البسيط

مراجعات لأفلام Close – up - Life, and Nothing More... - - Taste of Cherry – 1997

اتخذت من سنوات قرار ألا أغرق بالسينما، أن أحافظ على مشاهداتي ومتابعاتي شحيحية، أن أبقى جائعاً للفن السابع حتى لا أفقد لذة مذاقه ويختفي سحره وأقع بفخ الاعتياد، اعتدت أن أضع جداول وبرامج لمشاهداتي أجعلها منظمة ومتباعدة بحيث لا أعود إليها إلا حين يغلبني الشوق، فتبقى السينما بالنسبة لي مغارة اكتشف كنوزها بتأني لا وظيفة أمارسها يومياً بشكل روتيني فيضيع بريقها، بفضل هذه الطريقة شاهدت خلال سنوات نخبة أعمال فلليني وهيتشكوك وبونويل وتروفو وبريغمان وكيشلوفيسكي، وكان كيورستامي على جدول مشاهداتي، وتحديداً بعد غودار ومايك لي وكوروساوا – أي بعد ثلاث أو أربع سنين حسب طريقتي - ، ولكن الوفاة المفاجأة والفاجعة له جعلتني أقدمه على البرنامج، وفي حين كنت معتاداً أن أفصل بين مشاهداتي للأفلام أسبوع أو أيام فوجدت نفسي خلال يومين ألتهم أربعة من أفلامه ولا أرتوي .



كنت دوماً أسمع وأقرأ إن كيورستاني هو مخرج الإنسان العادي البسيط، مخرج الطبيعة والطفولة والبراءة والعفوية، هو فعلاً كذلك، أفلامه مثل السحر بمناقشتها لأفكار عميقة ومليئة بالأهمية بأبسط الطرق الممكنة وباهتمامها بشكل رئيسي بوجع البسطاء وهمومهم ودمجها مع سحر الطبيعة والبرية وبراءة الطفولة، هي أفلام تحمل طقوس الهجرة، شخص ما لا نعرفه يركب بسيارة ويجول الريف لغرض ما أغلبه بحث عن شيء ما، وكأن كيورستامي معه يهجر المدينة وهمومها وضيقها وسرعتها وزحمتها إلى فضاءات رحبة، يمارس شغفه ويحقق حلم أو هاجس بداخله أن يرحل بعيداً عن كل شيء ويتحد مع الطبيعة  ويبحث بين جنباتها عن الجمال الحقيقي المفتقد في العالم المادي المعاصر ، أن يتوقف عن معاشرة الناضجين والمثقفين وكبار السن ويختلط أكثر بالبسطاء ويصادق الأطفال ويتبادل معهم أطراف الحديث ويسمع أرائهم بقضايا مختلفة قد تكون أغلب الأحيان شديدة التعقيد ويعطي بها شخصياته أراء شديدة البساطة والفطرية والعفوية ولكنها تختصر وتغني عن أراء ومجلدات الفلاسفة والمفكرين، لذلك فلا شيء يدعو للمفاجأة أن نعرف إن سيناريوهات أفلامه لا تتشكل سوى من صفحات معدودة والحوارات فيها أغلبها ارتجال وشخصيات أفلامه أناس حقيقيين من الحياة الحقيقية ليسوا ممثلين.

في رائعته وأفضل أفلامه على الأغلب Close – up – 1990  يقدم كيورستامي صورة مشروعه أو أسلوبه بالكامل – باستثناء النزوح للريف – يقدم فيلم عن قصة حقيقية من بطولة شخوص القصة الحقيقية يستعيد بها أحداث حقيقية ومصور بأسلوب وثائقي يكسر به حاجز الزمن ويعيد خلق الحدث الماضي ويصوره بأسلوب الحاضر ويوثقه منذ البداية، ومن خلف هذا الأسلوب يعطي لبطل قصته حسين الفرصة ليتحدث ويعبر عن نفسه ويدافع عن فعله، ويقدم من وراءه قصته أحلام البسطاء المحطمة، الذين يحلمون بلحظة مجد أو شهرة، بلحظة ما يصبحون فيها موضع محبة واحترام وأن يمارسوا الشيء الذي يحبوه ، بالأخص إن حسين لم يستغل انتحال هوية مخملباف ليسرق أو يبتز أو يمارس عملية نصب ما باستثناء القروش القليلة التي استدانها،و ليس فقط بطل القصة حسين منتحل هوية المخرج محمد مخملباف هو من يمارس لعبة الإدعاء هذه، أيضاً الشاب الذي احتواه وانطلت عليه الحيلة كان يحلم بلحظة مجد مشابهة، شاب أخر بأحلام محطمة وحب للفن والسينما يعثر على فرصة بلقاء المخرج الأهم بإيران والعمل معه لذلك يقع بالألعوبة بسهولة لذلك هو يدعي عليه لا ليجبر الضرر المادي الذي لم يقع وإنما كرد فعل على الىذية العاطفية التي تعرض لها حين كسر حسين حلماً من أحلامه، وكذلك الصحفي الذي ينقل الحادثة للصحف كرغبة بتحقيق مجد إعلامي ويتحدث بجلسة المحاكمة عن امرأة اتصلت به بالجريدة بعد افتضاح قصة حسين وتحدثت عن إنه تقدم لها أيضاً على أنه مخملباف ووعدها بالزواج هي شخصية أخرى تريد شيء من وهج شهرة حسين الطارئة، تقاسمه شيء من هوسه وحلمه بالشهرة وما تمثله من احترام وتقدير وقيمة، قصة يعكس بها كيورستامي أزمة الهوية لدى المجتمع الإيراني، بعيداً عن التنظير السياسي، أزمة هوية تصلح أن تنطبق على أي مجتمع معاصر، هي بكل بساطة أزمة المدنية المعاصرة، - وهذا الشيء يبدع كيورستامي بتقدميه يمزج بين المحلية الإيرانية البحتة والهم الإنساني العام فتكون أفلامه كأفلام نظرائه من المخرجين العظماء للجميع- حيث البسيط مسحوق وأحلامه محطمة، يبحث كغريق عن متنفس له ليعيش ولو لأيام ولو للحظات طعم شهرة كاذب واحترام مزيف، هذا المحور يركز عليه كيورستامي منذ مشهد البداية حين يجمع أربع شخصيات بسيارة تكسي، السائق الطيار السابق العجوز الذي يتأمل بحنين وحسرة طيارة تحلق بالهواء، ورجلي شرطة مجنديين لكل منهم هم وألم وحلم لا يعرفان هل يتحقق أم إن أحلامهما ماتت، شابان يكتشفان حديثاً قسوة الحياة التي تجعل من أقل الأحلام وأكثرهما مشروعية شيء مستحيل النوال، وصحفي على بعد أمتار قليلة من تحقيق مجده المنتظر بفضح رجل بسيط أخر سئم من انتظار إنصاف الحياة له فنال ما يعتقد أنه يستحقه بيده.
بعيداً عن رمزية العمل وأفكاره فهناك فرجة سينمائية عظيمة وصناعة فنية خلاقة، 90% من أحداث العمل تجري في المحكمة، وتعتمد على المباشرة بطرح هم حسين ومشاكله وشغفه وأحلامه، ولكن مع ذلك فتبدو المباشرة هنا مفيدة جداً، بالأخص مع صدق حسين بالطرح، الذي يبدو إنه كان ينتظر هذه اللحظة طوال عمره، أن يكون نجماً تحت الأضواء ويتحدث عن همه ووجعه ويدافع عن نفسه بنفس الوقت، وهو يروي قصته بأسلوب إرتجالي عفوي دون إعداد مسبق وسيناريو واضح أغلب الأحيان، ومعه نحن المشاهدين نبدو بحيرة بين هل هو فعلاً صادق أم إنه يستغل مواهبه التمثيلية ليكسب تعاطف القاضي والإدعاء والخصم والمشاهدين خلف الكاميرا، وفي نفس الوقت ومع سير جلسة المحكمة نكتشف المزيد عن قصة حسين وحياته ونعرف المزيد عنه مما يزيد حيرتنا وريبتنا حوله أحياناً و أحياناً أخرى يزيد تعاطفنا معه، وفي المشاهد القليلة خارج المحكمة كمشهد وجود حسين مع العائلة قبل اعتقاله تشعر إنه شخص مختلف، متقمص لدور المخرج المشهور، واثق قوي متذمرمحترم مهيوب على عكس ما نراه بالمحكمة أو حين قابل مخملباف، شخص منكسر مهزوم منحني الظهر محطم نفسياً.

في رائعته الأخرى 1992Life, and Nothing More... -(أفضل أفلامه بالنسبة لي) يمارس كيورستامي طقوسه السينمائية المفضلة، رحلة في السيارة ضمن الريف إلى قرية كوكر (التي كانت مسرح ثلاثة من أهم أفلامه)، طفل يقوم ببطولة رئيسية للعمل، ومشاركة العديد من الشخصيات الحقيقية بأدوار ثانوية وحوارات مرتجلة بأغلبها وفترات طويلة من الصمت والتأمل بالريف ولقطات طويلة لمساحات طبيعية رائعة.
في هذا العمل يصور كيورستامي مخرج يؤدي دوره فرهاد خرادماند - ربما المعني بالشخصية هو كيورستامي نفسه – يخوض مع أبنه ذا العشر سنوات رحلة إلى الريف وتحديداً إلى قرية كوكر عشية زلزال مدمر اجتاح البلاد ليبحث عن طفل ما كان نجم أحد أفلامه السابقة، في هذا العمل تتالى صور تصور الخراب والمآساة الذي خلفه الزلزال مع صور تمجد الطبيعة وسحرها، ويبحث كيورستامي من خلالها عن سر القوى الإنسانية التي تحافظ على مسيرة البشرية رغم كل الصعوبات، عن تناقض الطبيعة التي بلحظة غضب تدمر حيوات كاملة و عمارات شاهقة، تأد أحلام وطموحات الآلاف ، ورغم هذه القسوة والعنف ولكنها بنفس الوقت تحتوي على جمال وسحر لا يوصف، في هذا الفيلم ورغم الحزن والقسوة الذي يصورها كيورستامي بين أنقاض الزلازل والخراب والحطام والنزوح المتناثر هناك رسالة أمل حقيقية ودعوة للتفائل والتحلي بالقوة والتغلب على كل ما يمكن أن يتعرض له الإنسان، حوارات ارتجالية رائعة وغريبة جداً في جو الحزن والمآساة ، يلتقي المخرج مع شخص فقد هو وخطيبته أغلب أفراد عائلتهم بالزلزال ولكنهما مع ذلك تزوجا عشية الكارثة في أحد خيم النزوح، يتسأل المخرج كيف تجرأتما على القيام بذلك بجو الكارثة فيقول إنه لا يمكن دفع الموت و تغيير القدر بل عليهما الزواج ليتغلبوا على الكارثة والحزن ويخلقوا حياة تعوض ما أخذه الزلزال، وبدل أن يعارض أهالي القرية ويستهجنوا فعلهما يباركان لهما زواجهما ويساعدهما كإصرار بشري غير معلن على الاستمرار وتحدي الموت والكارثة ونصرة للحياة ودعوة للفرح.
كيورستامي يصور إن الكارثة قد حصلت عشية كأس العالم والمخرج أثناء رحلته إلى كوكر يلتقي أحد الشبان وهو يبني خيمة مع صحبه ويعد التلفاز ليشاهد مباراة المونديال، يسأله المخرج كيف يستطيع أن يفكر بكأس العالم عشية الكارثة؟ ، الشخصية – وهي حقيقية وترتجل حوارها – لا تعرف ماذا تجيب وبعد لحظات صمت تنطق بأجمل جواب يمكن تخيله ضمن أحد أكثر لحظات السينما صدقاً (هذا كأس العالم يحدث فقط مرة كل أربع سنوات !!) وفي مشهد أخر يحمل المخرج معه طفل ليقوده إلى نجم فيلمه، ويجري حوار بين الطفلان في السيارة حول كأس العالم أيضاً وجدال حول من ممكن أن يفوز بالبطولة، صورة مبهرة للطفولة وبراءتها التي لا تفهم الكوارث ولا تعترف بها وتصبغ الحياة بأجمل الألوان مهما كانت رمادية وداكنة وأكبر همومها من نوعية من الممكن أن يكون فائزاً بمباراة كرة قدم .
براءة الأطفال هي بطلة عمل كيورستامي، أفضل مشاهد العمل وأجملها نجمها هو أبن بطل العمل الذي هو طبعاً لا يحمل خبرة تمثيلية ويرتجل حواراته، وكيورستامي يعطيه المشهد الأهم برأيي حين يجلس مع أم فقدت أبنتها بالزلزال وتتحدث بحرقة عنها، يحاول مواساتها والتحدث بلغة الكبار، وينطق بأحد أكثر العبارات السينمائية براءة وصدقاً حيث يقول بلهجة الكبار المطعمة ببراءة الأطفال: (إن الله أختار الأفضل لأبنتك بالموت ... لقد استراحت من الواجبات المدرسية) ويحدثها بقصص دينية عن إسماعيل الذبيح وحكمة الله من الموت، وهذه ليست المرة الوحيدة التي يعطي بها كيورستامي حواراته الأهم والأكثر تعقيداً لشخصياته الثانوية الحقيقية ويلقونها بارتجالية تامة، ففي فيلم The Wind Will Carry Us – 1999 (الفائز بجتئزة لجنة التحكيم في فينيسيا)  يسأل بطل العمل صاحبة المقهى العجوز كيف تقوم إمرأة بعمل صاحبة المقهى، فتلقي عليه خطبة – إرتجالية – عن دور المرأة بالحياة وكيف إن دورها بالحياة لا يقتصر على خدمة المنزل فهي أم وشريكة ومربية وعاملة وأبنة، خطبة عظيمة أختصر بها كيورستامي محاضرات طوال عن حرية المرأة والمساواة ودورها في الحياة، وهو فيلم آخر من بطولة أحد الأطفال الراجل بالكامل وفيها مساحة واسعة لهم ولبرائتهم لتكون لاعب رئيسي بالعمل وتكون سر الجمال فيه، وباعتقادي فإن هذا هو سر جمال وعظمة أفلامه ذلك الصدق وتلك العفوية وهذه البراءة التي تلون عمله هي ما تجعل لأفلامه طعماً ومذاقاً مختلفاً بالنسبة للمشاهد.

كيورستامي ورغم إن أفلامه مليئة بالطقوس الحقيقية من إرتجال وشخصيات حقيقية ولكنه يبقى دوماً يذكرنا إن ما نراه هو الفيلم ليس الحياة الحقيقية، بل هواجسه وأفكاره وأحلامه وأراءه بالحياة، هو فعل ذلك بالنهاية العظيمة لفيلم Taste of Cherry – 1997الفائز بسعفة كان الذهبية، في ذلك الفيلم أيضاً يرسل كيورستامي بطله السيد بادي (أداء عظيم من هومايون أرشادي) في رحلة بالسيارة إلى الريف الإيراني، ولكن رحلته هذه ليست متفائلة ومنعشة كرحلة (الحياة وأشياء أخرى ..) السيد بادي قرر الانتحار، حضر السم، حفر قبره، و يريد فقط شخص ليردم فوقه التراب، بادي شخص لا نعرف عنه شيء ولا عن حياته وعائلته ولا سبب رغبته بالانتحار، كيورستامي لا يشرح لنا شيء ولكنه يجعلنا نستنتج لوحدنا ما الذي يمكن أن يدفع شخص يبدو عليه شيء من الرفاهية للإنتحار، الأمر لا يمكن أن يكون فقط أزمة شخصية، ربما الأحساس بظلم الحياة العمومي، بقسوة الأيام، إنتشار الفقر والجوع والمآساة حول العالم، أمور كلها يجعل الإنسان ييأس يفقد الأمل ويقرر إنهاء حياته، كيورستامي يركز على هذه الفكرة بعرض العديد من الصور التي تصور بؤس الريف وفقر الحياة قبل أن يجعل بطله يقابل ثلاث شخصيات من ثلاث مراحل عمرية مختلفة من ثلاث قوميات مختلفة – كردية ، أفغانية، تركية – وكل منهم له خط حياة مختلف – مجند في الجيش ، طالب علم ، عامل بسيط – وما يجمع هذه الشخصيات هو الفقر المتقع ومآساة الحياة اليومية، وكلهم أكثر تعاسةً من بادي – بإشارة من كيورستامي إلى عمومية المآساة الإنسانية التي لا تعرف عمر أو مهنة أو قومية – ولكن بادي هو الوحيد الذي يريد الإنتحار، يعرض على ثلاثتهم على التوالي أن يدفنوه مقابل بدل مالي، وثلاثتهم يجاوب بطريقة مختلفة ولكنهم يتفقون على عدم جواز الانتحار، شيء يشير إليه كيورستامي ولطالما يمجده بأفلامه وهو ذلك السر الغريب بالحياة وجمالها التي يدفع الإنسان للإستمرار فيها رغم قسوتها، شيء غير مفهوم مهما حاول الإنسان أن يعثر له على تفسيرات ولم يستطع، يجعل من رفض الإنتحار من الجميع واستهجانه ليس الخوف من الموت وإنما الرغبة بالتمسك بجمال الحياة وإستغراب أن يهجر شخص ما كل تلك الروعة مهما كانت قاسية.
المجند الكردي الشاب منعدم الخبرة بالحياة لا يعرف ما يجيب على عرض بادي، فطرته تتكلم ويقول فقط هذا خطأ .... لا يجوز ... لا يمكن أن أقبل به ثم يهرب، في مشاهد أبادي مع المجند يستذكر أيام الشباب ، يستذكر أيام الخدمة العسكرية والنشاط والحماس والحرية ومقاسمة التعب والعرق مع رفاق السلاح ، يستذكر تلك الأيام الصعبة بكثير من الحنان، لأن تلك الأيام كانت تمثل الحلم، كان بها متوحد مع الطبيعة وألوانها وبساطتها وبعيد عن رمادية المدينة وألوانها الباهتة وروتينية وضغوط الحياة فيها ، تلك الأيام كان يخوضها وهو يعتقد إنه بعد انتهائها سيستريح سيحقق أحلامه، ولكن الحياة صدمته، الحياة العسكرية كانت أخر طقوس جمال الحياة وأول رحلة الصعاب، هزمته الحياة ، دمرت أحلامه، فلم يبقى له سوى الرحيل .

يلتقي أبادي تالياً بطالب العلم الأفغاني الشاب المقبل على الرجولة والحالم بأحلام المجد والتقدير ببلده بعد أن ينهي دراسته بمدينة قم ، يرفض العرض من منظور ديني ويلقي على بادي موعظة دينية عن حرمانية الإنتحار وقدسية الحياة الإنسانية أبادي يرد : (الأمر ليس له علاقة بالدين .. ولكن هذه رحلة ليس الجميع قادر على متابعتها ، الإنسان أحياناً يصل إلى مرحلة لا يستطيع الإستمرار يريد فقط أن يستريح) وبعد فشل محاولته مع الأفغاني يلجئ إلى التركي، عجوز فقير أبنه مريض، لا يكلمه ذاك من منظور الفطرة أو العلم، وإنما يحدثه من منظور الخبرة بالحياة، فهو أيضاً ذاق مرارة الحياة وتجرع هزائمها ، هو أيضاً فكر بالإنتحار بل سعى إليه بيوم من الايام ولكن حين تذوق طعم الكرز مع شروق الشمس وهز الغصن ليلقي بحبات الكرز على الأطفال الذاهبين إلى مدارسهم، أدرك إن الحياة وجمالها أكبر من همومه، وإن أحزانه ومآسيه لا تساوي شيء أمام مشاكله وإن في الحياة جمال يزيح كل هموم العالم ، هو الوحيد الذي قبل بعرض بادي أن يدفنه ولكنه على ثقة إنه حين يأتي سيراه حياً لم يمت وينتظره ليعودا سويةً ويحدثه قصة تركية جميلة عن شخص ذهب إلى الطبيب يشكو إنه يشعر بالألم في أي محل يلمسه أصبعه فيخبره الطبيب إن المرض بأصبعه، قصة جميلة جداً ومليئة بالعق ضمن سينما يجدد كيورستامي دعواه إلى الأمل والإيجابية والتمسك بجمال الحياة و أفلام أختصر بها كل الجمال الذي يراه بالعالم، كانت كنز حقيقي ليس فقط لكل عاشق للسينما بل لكل عاشق للحياة، هو فعلاً المخرج الصديق لكل مشاهد رغم أنني تعرفت عليه متأخراً ولكن هنا جمال السينما والرواية والفن بشكل عام إنها تعطيك فرصة أن تكون صادقات متينة مع الأموات المخلدين بأعمالهم.

نور الدين النجار

0 التعليقات:

إرسال تعليق