RSS

American sniper - 2014

هذا العمل هو خيبة الأمل الحقيقية لعام 2014 ليس لأن مستواه لا يرقا لترشيحات الأوسكار الرئيسية التي نالها وحسب بل لأنه من إخراج شيخ مخرجين أمريكا كلينت إيستوود، العجوز النزق صاحب لا يغتفر وفتاة المليون دولار يبدو إنه دخل بمرحلة الخرف وزهايمر فني أنساه رسالته الفنية الإنسانية الناقدة المتسامحة في نهر مستيك و رسائل ايو جيما واعلام الأباء و غران تورينو وانفيكتوس وعاد إلى أساطير الكاوبوي الساذجة بعد استبدال الجنز ببذلة المارينز ليصنع فيلم بروبغندا ترويجي لبطولات الجيش الأمريكي بالعراق على نمط أفلام أكشن الثمانينات متوسطة المستوى ولكن بصورة راقية ذات شكل فني مزيف وخادع.


هي أمريكا بلد لا يحوي أبطال فيكرمون مجرم يختبأ في مرصد ويحتمي داخل مبنى ويطلق من وراء ساتر بقناصته على أي شخص يثير الريبة حتى لو كان طفل أو امرأة والأسوأ أن يتم تصوير عمله هذا بالبطولي والضروري، ليست مشكلتي مع العمل إنه يدور بأجواء حرب العراق، احترمت خزانة الألم – 2009 رغم إنه أيضاً عن حرب العراق، ولكن هناك العراق لم تكن سوى لوكيشن فقط أما القصة والمعالجة العظيمة عن الضغط النفسي للحرب على الجندي يمكن اسقاطها على أي حرب، بيغلو حررت خزانة ألمها من ضيق القضية العراقية نحو قضية إنسانية واسعة لا تتعلق بالأمريكان والعراق فقط بل بأي جندي وأي حرب، لم تدخل بالمشكلة العراقية بل تحدثت عن مشكلة أخرى عامة وتركت حرب العراق في الخلفية كحرب بشعة بغض النظر عن أسبابها، لم تدخل في الخلافات السياسية بل بحثت عن الانسانية، أما قناص إيستوود الامريكي فهو يدخل في صميم الحرب العراقية ويسوق للنظرة الأمريكية التي سخر العالم كله منها قبل ثلاث عشر سنة ويفرضها على إنها الصواب، حاولت أن أعثر على جانب مضيء في العمل يستحق الاحترام ففشلت، فيلم مليء بالمغالطات، تصوير مغاير لحقيقة الوضع في العراق وحقيقة ما جرى ومغازلة ومديح لإجرام الاحتلال فيها.
من منظور إيستوود كريس كايل (برادلي كوبر) الكاوبوي تربى على المبادئ الدينية وعلى فكرة أن يحمي الضعفاء وتعلم القنص من والده ، ألمته مناظر تفجيرات القاعدة للسفارات الأمريكية فتطوع في البحرية ليخدم بلاده ويعثر على قيمته وأظهر موهبة في القنص وأرسل إلى حرب العراق ومكث بها سنوات يدافع عن رفاقه وعن أهله وراء المحيطات من إرهابي القاعدة وتحول إلى أسطورة كأفضل قناص في تاريخ الجيش الأمريكي، فيلم ساذج جداً بتصويره الأمريكي الغبي المبسط لأحد أعقد وأقذر القضايا العالمية المعاصرة، العراق من منظور إيستوود بلد يعج بالإرهابيين بل هو كذلك قبل الاحتلال ويهددون العالم والجيش الأمريكي عليه حماية الكون مهما كان الثمن وكان من واجبه دخول العراق، لا يوجد أي تعمق أو دراسة أو حتى تلميح إن أمريكا دمرت بلداً لأسباب بعيدة عن الحرب على الإرهاب وحولته إلى أكبر مأوى للإرهابيين والمتطرفين، لا يوجد أي إشارة إلى أن أمريكا كانت محتل غازي أذل وقتل ونهب وانتهك وسرق طامع بنفط العراق وتحركت قيادتها بفعل تجار السلاح والنفط واستندت إلى معلومات كاذبة، المارينز ذهب ليقضي على الإرهاب في العراق ويحمي أهلهم في أفضل بقعة في الأرض هذه فقط القضية، وكل من يعاديهم إرهابي ولا يوجد مقاومة تطمح للحرية، بالأصل لا يوجد حاجة للحرية في ظل حرية اليانكي، ويمزج العمل مع مشاهد القتال والقتل والقنص والتعذيب بمشاهد للضغط النفسي والخوف والشوق للأهل الذي يعيشه الجندي الأمريكي وانعكاسات الحرب على حياته وعائلته والضريبة التي يدفعها من روحه في سبيل وطنه وهو يتحمل لأن هذا واجبه ولأنه بذلك يوفر حماية للأمنيين في بلد الديمقراطية والحضارة حتى لو كان ذلك على حساب صحته واستقراره النفسي والعاطفي والعائلي وحياته ولا يوجد أدنى شك لديه إن أمريكا كانت السبب بكل المعاناة التي جرت هناك ولا تصوير لأي لحظة تفكير أو صحوة أن هناك خطأ بغزو العراق وأن الأمور مغايرة لما تم التسويق له وكل من ينفر الحرب في العمل هو فقط جبان ليس له القدرة على تحمل المسؤولية، المعاناة الوحيدة التي يعيشها الجندي بعد عودته إنه ما زال في العراق رفاق له يقاتلون وهو في أمريكا لا يستطيع حمايتهم ويحاول أن يشغل وقته بالمشافي العسكرية ومأوى المحاربين القدامى يساعدهم ويشد عزيمتهم، ليخرج طبعاً المشاهد الأمريكي بنظرة تقديس لهذا الجندي الذي حماه طوال عقد كامل من إرهابيين يخبئون رؤوس ضحاياهم في الثلاجة و يعذبون الأطفال بمسدسات التثقيب و يقطعون أيادي النساء.
يبدأ الفيلم بمشهد لكايل وهو يضطر لقتل صبي وأمه لمنعهما من إطلاق صاروخ على مدرعة أمريكية، كايل لا يرتاح لفعله ويشعر بالضيق ولكن صديقه يواسيه إنه لو لم يفعل ذلك لكان سقط عشر جنود أمريكيين ، أي إنهم ضرر عرضي مضطر لفعله لحماية زملائه وهذا يريحه ومع ذلك تبقى صورة الطفل تلاحقه وتخيفه من أن يضطر لتكرير ذلك مجدداً لنرى إنسانية القاتل الذي يؤلمه القتل أكثر من الضحية بل إنه بقتله لهذا الطفل لم يكن أبداً مجرماً بل يقوم بعمل بطوله ينقذ به عشرة علوج وإنسانيته كانت هي الضحية على يد الإرهابيين الذين دفعوه للقتل، ونرى مع استمرار العمل إن أي مواطن عراقي هو إرهابي دون أن نفهم سبب اصطفاف الأطفال والنساء والشيوخ والرجال لمحاربة الامريكان ويبررهم إيستوود بأنهم إرهابيين كل العراق التي حاربت أمريكا إرهابية ولا يوجد اختلال ومقاومة، يدخل كايل مع فرقته إلى منزل أحد المشبوهين العراقيين لملاحقة الزرقاوي فيعثر على عائلة مختبئة هناك ويرفض كبيرها – الذي خسرت زوجته يدها – أن يرشدهم إلى الجزار ذراع الزرقاوي اليمنى إلا مقابل دفع مبلغ مالي باهظ والجيش الأمريكي يوافق فوراً ولكن الجزار يصل للشيخ ويقتله ويقتل ابنه بحفر رأسه بمثقاب كهربائي ليفهم المشاهد مدى غباء وجشع العربي ومدى تفاني الأمريكي بمحاربة الإرهاب وهم بذلك يدافعون عن العراقيين قبل الأمريكيين .
وبعداً عن الرسائل السياسية السلبية فالعمل مليء بالكليشيهات المبتذلة المكررة والمعادة آلاف المرات مشاهد التدريب القاسية للمارينز ثم لقاء كايل بتايا (سينا ميللر) في أحد الحانات ورفضها التعرف عليه لأنها تنفر من جلافة الجنود ولكنها تنجذب له حين يقول لها إنه تطوع ليخدم بلده ويحمي أهله، يوم زفافهما يأتيه الاستدعاء لحرب العراق، وحين تعلمه إنها حامل بصبي يدخل ضمن اشتباك ويفقد هاتفه وتنهار هي في الطريق، صديقه يتعرض للقنص قبل أيام على موعد ذهابه لطلب يد حبيبته للزواج، وتختبئ الفرقة في منزل عراقي يدعوهم على العشاء في ليلة وقفة عرفات فيتضح إنه إرهابي يريد أن يطيح بهم ويستغلونه ليدلهم إلى الإرهابيين ثم يقتل ويقع الاشتباك ومخبئ الإرهابيين هو مطعم يعلق به جثة أمريكي مسحول ورؤوس الضحايا في الثلاجات والإرهابيين يمضون حياتهم عادي ويأكلون ويشربون بين الجثث، والأهالي يخرجون بمظاهرات للتنديد بقتل العراقي ويرفعون شعارات تنادي بإخراج الاحتلال وهم لا يفهمون أن الجيش الأمريكي يدافع عنهم، هناك عرب جيدين فقط العاملين مع الاحتلال والذي يقتل أحدهم فيكبر ثأر كايل عند القناص العراقي، طبعاً يجب أن يكون هناك قناص عراقي (شرير)على مستوى كايل وأسطورة في القاعدة ليكمل العمل حبكته الساذجة وكأنه فيلم كوميكس ويصبح هناك نزاع شخصي نديّ بينهما من يستطيع إلى رأس الثاني في البداية وحين يحقق كايل هدفه بإصابة مستحيلة التحقيق يقع ضمن اشتباك وتعجز الإمدادات عن الوصول وتهب عاصفة رملية ويكاد رفاق كايل يفقدونه وهو يتحدث مع زوجته باكياً ويقول لقد انجزت المهمة سأعود ، طبعاً مع عشرات المشاهد العاطفية المبتذلة مثل لقاء كايل صدفة اثناء لعبه مع ولده مع جندي سبق له وأنقذه يقول لأبنه والدك بطل ويحيه التحية العسكرية ، أو حمل طفل عراقي لقذيفة صاروخية يستهدف بها الجيش تحت أنظار كايل وقناصته وهو يرجوه بصوت خافت أن يوقعها حتى لا يضطر لقتله، مشاهد تليق أن يخرجها سبلبيرغ البارع بأن يخفي الابتذال بمشاهد مشابهة (وفعلاً كان سبلبيرغ مرشح لإخراج العمل)وإيستوود ينجح إلى حد ما أن يعطي لفيلمه طابع الملحمية ويلبسه ثوباً راقياً يغطي إلى حد ما على سذاجة المحتوى وغباء الطرح وتقليدية المضمون وابتذال الصنع ولكن يبقى ما قام به إيستوود مجرد قشرة ملمعة تغطي فجوة وعفن يصنع بروبغندا نخبوية متقنة الصنع ولكن فاسدة بلا قيمة حقيقية أو عمق، الشيء الإيجابي الوحيد الحقيقي بالعمل هو أداء برادلي كوبر بأفضل أدواره يعطي البعد الإنساني الحقيقي لموت الروح البشرية في جنون الحرب، ومشاهده في أمريكا هي الأفضل بالعمل وغير هذا الفيلم أسوء فيلم لهذا الموسم أسوء أفلام إيستوود على الاطلاق.
3/10

0 التعليقات:

إرسال تعليق