RSS

Dog day afternoon - 1975


عام 2005 نال سيدني لوميت جائزة الأوسكار كتكريم لمسيرته الفنية وقدمها له صديقه وشريكه في نجاح اثنين من أفضل أعماله في السبعينات (سيربيكو و بعد ظهر مشمس) آل باتشينو، تكريم استحقه لوميت كان منتظراً منذ سنين طويلة لأحد أهم أعمدة الإخراج السينمائي الأمريكي، الرجل الذي رحل عن عالمنا عام 2011 عن 87 عاماً مخلفاً آرثاً عظيماً بدء بتشييده منذ بداية الخمسينات في العمل التلفزيوني قبل الاتجاه إلى السينما وتحقيق شهرة ونجاح مستحقين في 12 رجل غاضب عام 1957 وعاش فترة ازدهاره بين السبعينات والثمانينات بأفلام سربيكو 1973 و بعد ظهر مشمس 1975 و الشبكة 1976 و
: The Verdict (1982) و أمير المدينة 1983 ، نال خلال مسيرته خمس ترشيحات للأوسكار أربع منها كمخرج والخامس ككاتب ورغم قلة أفلامه ولكنها صنعت اسلوب خاص بتصوير ثوري لعالم الفساد الأمني والهيمنة الإعلامية الأمريكية ونزعة لتحرر الفرد من عقلية الجماعة وإطلاق العنان لعقله ليتحرر ، أفكار ومشروع عن التحرر من هيمنة المجتمع أبدع لوميت بتقديمه منذ نهاية الخمسينات وحتى آخر أفلامه عام 2007 .


فيلم بعد ظهر مشمس -Dog day afternoon – هو أشهر أفلامه وأكثرها بساطة بالتعبير عن لوميت وأسلوبه الفني ومشروعه الفكري، المكان المغلق البطولة الجماعية الشخصية الرئيسية المهيمنة أسلوب التصوير الشبيه بالتقارير الإخبارية التلفزيونية الاعتماد على الارتجال فكرة الفساد والقطيعة بين المجتمع وحكومته لعبة الإعلام والتشتت الاجتماعي، القصة تتحدث عن عصابة من ثلاثة أشخاص تحاول سرقة بنك في ظهيرة أحد الأيام ولكن الخطة تفشل وتنجرف نحو قضية اخذ رهائن ومفاوضات مع المخابرات ومحاولات هرب يتحول خلالها الخاطفين – بعد انسحاب الثالث – إلى نجوم على شبكات الإعلام ، الفيلم مقتبس عن قصة حقيقية ولكن كاتب السيناريو المبدع فرانك بيرسون – نال الأوسكار عن هذا العمل - تلاعب بالقصة وعدل بالكثير من شخوصها ومنعطفاتها في فيلمه هذا ولم يحفظ من حادثة السرقة الشهيرة في منهاتن عام 1972 سوى على القشور ويبدو إن ما قام به من إدخال مخيلة الكاتب على الحدث الحقيقي – وهو ليس تاريخي جوهري يستدعي الأمانة بالضرورة – قد قدم الكثير من العمل وساعد لوميت على الانطلاق به نحو شيء أكبر من قصة مثيرة عن عملية سطو فاشلة .
لوميت يفتتح عمله بطريقة مميزة التصوير الهادئ على خلفية موسيقى التون جون (وهي اللحظات الوحيدة التي يحمل العمل بها موسيقى) لنيويورك والحياة الطبيعية فيها ثم ومع إنزال العلم الأمريكي عن أحد البنوك تبدأ عملية السطو المفاجأة تستمر لحوالي عشر دقائق هي الدقائق الحقيقية التي احتاجتها العملية ولوميت يبدع باستغلالها وملئها بأقصى حد ثم تبدأ الأمور بالتعثر مع العصابة بعد أن مر كل شيء بسلام، الشريك الثالث لسوني وسال يهرب لا يوجد نقود كافية ثم تشعر الشرطة بوجود أمر خطئ يجري ويحيطون بالمكان وتبدأ الأحداث تتصاعد مع وصول وسائل الإعلام ، تصوير مشاهد السرقة مع المفارقات التي تحصل خلالها تعامل معها لوميت بذكاء ، كان من الممكن معها أن ينجرف العمل نحو الكوميدية وما يجري يغري فعلاً لذلك ولكن لوميت ضبط الأمور بالتركيز على أداءات ممثليه بالأخص أل باتشينو ومن معه أعطى تلك اللحظات جدّية كاملة وأشعر المشاهد بخطورة الحدث عدا إنه أعطى تقديم رائع لشخصيتا سوني وسال المدنييان العاديان البعيدان عن جو الإجرام واللذان دخلا هذا المآزق ولا يعرفان كيف يخرجا منه .
مع وصول الشرطة ووسائل الإعلام ورصده للمفاوضات بين سوني و الشرطة يبدأ لوميت يكشف عن أفكاره يظهر مدى عدم ثقة الشعب بحكومته وبلاده ورجالات أمنها واستيائهم من قدومهم لتخليصهم ، الرهائن كانوا مستعدين للتعاون مع المجرمين ويثقون بهم ولكن مع قدوم الشرطة أدركوا إن الأمور متجهة نحو مآزق حقيقي فحادثة آتيكا وقتل الشرطة للأبرياء مع المجرمين في تمرد سجن أتيكا 1971 ما زالت ماثلة للعيان، الشعب الذي تجمهر حول البنك يتابع ما يجري يرى بسوني بطل لتحديه الشرطة ونجاحه بجعلها تعجز عن قتله والتدخل بعنف، والتلفاز يصور سوني على إنه بطل ويقدم له وسيلة دفاع إضافية ، ولكن حين يختلف معهم ويهينهم يحولوه إلى حشرة ويستغلون ماضيه لتشويه صورته ويهملون جوانب أخرى إنسانية فيه ليبقى السلاحين الوحيدين بيده هما الجمهور المحتشد حوله بين رافض و مؤيد والرهائن الذين تعاطفوا مع سجانهم وتضامنوا معه على حساب الشرطة وتعاونوا معه حتى النهاية ليخلصوا معه من الكارثة التي رموا سببها على الدولة لا على الخاطف بالأخص إنهم وبإقامتهم معه لمسوا به جوانب إنسانية حقيقية أجبرتهم على التعاطف معه وهو لم يظهر لهم الوحشيه والقسوة التي يظهرها المجرمين المتمرسين.
لوميت وفرانك بيرسون لا يتابعان فقط تداعيات عمليات الخطف بل يلاحقان أيضاً ماضي سوني وبيئته التي صنعت منه مجرماً، يقدمان باحترافية ومن خلال لقاءات سريعة ومكالمات هاتفية الضغوط التي قادته لسرقة بنك ويهتمان كذلك بالجوانب الانسانية لشخصيته مع سال وبتعاملهما مع الرهائن وبين بعضهما، لوميت يبدع بتصويرهما كأطفال دخلا لعبة أكبر منهما ولا يعرفان كيف يهربان وبعد حادثة مطار كيندي وفشل كل شيء ينظر سوني وقد أدرك الحقيقية إنه لم يكن بطلاً سوى للحظات معدودة لم يكن نجماً متحكماً بالأمور سوى لساعات وفي النهاية هوى مجرم أودى بصديقه إلى النهاية بفضل أفكاره وتخلى عنه من كان يعدهم حلفائهم ولقي العقاب على يد من كان يعتبرهم مذنبين ففي النهاية ما جرى كان ذنبه وحده هو لا غيره.
سيدني لوميت صنع عملاً عظيماً على صعيد الصورة والفكرة، فكرة دور وسائل الإعلام بتشويه الأحداث كانت وافية بهذا العمل ولكن ليست معمقة بالكامل ربما لأنها أكبر من أن تحصر كفرع في عمل واحد وهو عوض ذلك بتحفته اللاحقة الشبكة، لوميت مبهر باعتنائه بالتفاصيل تفاصيل الجريمة تفاصيل الحصار تعامل الشرطة مع الحشود أساليب التغطية الإعلامية أساليب المفاوضات مع المجرمين حتى إن العمل يعتبر من الأساليب الإيضاحية في كليات الشرطة الأمريكية عن تعامل وسائل الأمن مع الحشود في حوادث مماثلة وهو الاساس الذي أستلهم منه بين أفليك أسلوبه المبهر بإخراج فيلمه الشهير آرغو، اعتناء لوميت بالتفاصيل حتى الثمالة أعطى العمل شكلاً واقعياً عظيماً ساعد لوميت على التصوير بأسلوب التقارير الإخبارية و ما أعانه في ذلك الأداء العفوي الواقعي من طاقم التمثيل والانسجام الكامل بينهم وإعطائهم من لوميت الحرية الكاملة بالارتجال ونسج الحوار كيفما يشتهوه حتى إن حوارات العمل بأغلبها هي ارتجال بما فيها صراخ آل باتشينو الشهير (أتيكا) ، أحد أهم العناصر الفنية التي انجحت العمل هو المونتاج فرغم إن لوميت – ومعه آل باتشينو - كان مستمتعاً بأجواء المسرح التي ولدها المكان المغلق ولكن المونتاج كسر من جمود المكان ورتابته وأعطاه حيوية آسرة مزجها بتنقلات مدروسة وناجحة مع الأجواء خارج البنك وناجح بتغطية الأمور داخل البنك وخارجه.
الفيلم مكتمل العناصر الفنية للنجاح ولكن سبب عظمته الحقيقية بنظري تأتي من أداء آل باتشينو العظيم، فلأول مرة يخرج ألفريدو من أسر شخصية مايكل كورليون الهادئة العميقة ويقدم أداء منفلت مليء بالانفعال والصراخ والخطابة والحديث، أداءه مسرحي بحت صعب جداً ومنهك ومليء بالمشاعر المتناقض والمتضاربة، الحب المزدوج لزوجته وعشيقه ليون الخوف واختلاق القوة والحنان والطيبة الداخلية والضغوط المحيطة والاستمتاع بدور البطولة والسيطرة والشعور بدنو الموت ونهاية الدور، ما قدمه بهذا الداء أصبح ملتصقاً به وعلامة خاصة لشكل أدائه في السنوات اللاحقة، أل باتشينو قدم توليفة أدائية عظيمة جداً استحق عنها جائزة البافتا وكان منافس شرس لجاك نيكلسون على الأوسكار 1975 ، جون كازال شريك أل باتشينو  في العرّاب يقدم بدور سال أداء ممتاز جداً وعميق جداً كريس سارندون بدور ليون وتشارليز دورنينغ بدور مورتي و جيمس برودريك بدور شيلدون و غاري سبرينغر بدور ستيف و سوزان بيريتز بدور أنجي و بنلوبي ألين بدور سلفيا ومعها طاقم الممثلات بدور الرهائن قدموا أداءات ممتازة في أحد أفضل الأداءات الجماعية في تاريخ السينما.

10 / 10 

0 التعليقات:

إرسال تعليق