RSS

Good Bye Lenin! - 2003


آلة التصوير السينمائي اخترعها الفرنسييون ، السينما اخترعها الألمان، ثم سرقها الأمريكان، هذا جوابي في حال سألني أحد عن تاريخ السينما والدليل على أن السينما هي للألمان كثيرة وهذا الفيلم أحدها، الأول من بين أربع تحف في العقد الماضي لاحقت التطورات الأصعب في التاريخ الألماني الحديث فمن بوادر الحرب العالمية الأولى ونشأة جيل النازية في الشريط الأبيض عام 2009 إلى أنهيار الفهوهرر في السقوط 2005 وحقبة الاشتراكية في ألمانيا الشرقية في حياة الأخرين 2006 ثم هذا الفيلم عن وحدة الألمانيتين وإنعكاسات هذه الوحدة على شعب ألمانيا الشرقية.

الفيلم يتحدث عن كريستين كرنر ألمانية شرقية وعضوة نشطة في الحزب الاشتراكي يهجرها زوجها في نهاية السبعينات ويهرب إلى ألمانيا الغربية للحاق بعشيقته الرأسمالية و تتكفل هي بتربية ولديين ألكساندر و أرين وتنشأهما على المثل الاشتراكية وفي نهاية الثمانينات نرى العائلة ومن خلفها المجتمع الألماني الشرقي كله وقد عيل صبره من الاشتراكية وحالة القطيعة عن الشقيقة الغربية وأثناء مشاركة ألكساندر في أحد المظاهرات المناهضة للسياسات الاشتراكية والمطالبة بحرية التنقل مع ألمانيا الغربية تراه أمه وهو يتعارك مع الشرطة الألمان وتصاب بصدمة تؤدي إلى نوبة قلبية تبقيها طريحة الغيبوبة لثمان أشهر وخلال هذه الفترة تحصل أكبر عملية تغيير في التاريخ مع سقوط الجدار ووحدة برلين ثم عملية التحول السريعة والمجنونة على كل الأصعدة من الاشتراكية إلى الرأسمالية، ومع انغماس الكساندر وشقيقته في تلك الموجة التطويرية تصحو والدتهما ويحذرهما الأطباء من أن أي صدمة ستؤدي إلى إعادتها للغيبوبة مجدداً وبالنسبة لألكساندر فلا صدمة لوالدتها تعادل صدمتها بتغييرات وطنها لذلك يفعل المستحيل لا ليخفي عنها الحقيقة بل ليحافظ على استمرارية الحقبة الاشتراكية في منزلهم ويصور انتصارها على الرأسمالية.
العمل هو من أذكى ما شاهدت بتعامله مع قضية سياسية معاصرة وشائكة بأكثر الطرق حيادية وبعداً عن التحزب ، هو لا يشغل وقته بنقض الاشتراكية ولا يتوه بنقض الرأسمالية، بل هو يستعرض الحالة الإنسانية، حالة ضياع الهوية التي عاشها الشرقييون حين سلخوا عن قيم ومبادئ تربوا عليها وشكلت شخصيتهم ولو كانوا يرفضونها حتى غدو غرباء في بلدهم وبيوتهم، العمل يصور فترة الغيبوبة والانفتاح على الغرب بشكل سريع وفيه الكثير من الانبهارية لوصولنا إلى لحظة ملل شعر بها ألكساندر (المعارض للاشتراكية في بداية العمل) وكأنه كان بحلم جميل شيء من تغيير الروتين ثم فجأة لم يعد يريده يريد العودة إلى الحياة السابقة ليس غراماً بها أو اقتناعاً بصوابها او نقضاً للرأسمالية بل لأنها حياته التي عاشها عشرين سنة وسلخ عنها فجأة قبل أن يكون مستعداً لذلك، صحوة والدته وظرفها الصحي يشكلان فرصة ومبرر لذلك وهنا يصنع المخرج والكاتب والفغانغ بيكر فصل شديد الحيوية والكوميدية والذكاء ، تبدو فكرة مجنونة ولكنه يطبقها بطريقة منطقية ومحببة للمشاهد ومعها يدخل لأعماق الشخصيات، يصور حالة الغربة التي عاشها الشرقييون، حالة الصدمة التي عاشها الاشتراكييون حالة الانبهار التي عاشها الشباب، ليغدو بيت كرستين ملجأ وأشبه بنادي غير رسمي لكل مشتاق للأيام الماضية، وأثناء تشكيل ألكساندر لعالم والدته وحلمها يكون يشكل حلمه وبيئة معتاد عليها ويرتاح لها وتشعره بالانتمالء يصبح هاجسه  لا وسيلة لحماية والدته، وبعمله هذا ينسج وطنه الذي حلم به، وطنه الذي ربته عليه أمه قبل أن يصدمه الزمن بحقيقته، وطنه الذي كان مبادئ وشعارات بعيدة عن التطبيق، وطنه الذي شكل عالم طفولته وهواجس وأحلام مستقبله، هذا الوطن تلك الاشتراكية يصر بيكر على إنها لم تكن سوى كذبة نسجتها الأم لحماية أولادها ثم كذبة نسجها الابن لحماية أمه وفي النهاية هو مجرد حلم لأجيال ومفكريين ومناضلين وبسطاء كثر لم يتحقق.
مع كوميدياه الممتازة وفكرته العامة المبهرة ودراسته المبدعة لمشاكل الشخصيات هناك نسج مبهر لعلاقة إنسانية رائعة بين ألكساندر ووالدته علاقة حقيقية جداً ومؤثرة بالأخص مع اكتشاف الحقيقة واصرار الأم على تجاهلها لارضاء ابنها كما تجاهل هو حقيقة عدم ايمان امه بالاشتراكية دفاعاً عن حلمه، ما ساعد على نجاح ووصول تلك العلاقة هو الأداءات المبهرة من دانيال بورهال وكاترين ساب في أحد أجمل الكيميائات في السينما التي شاهدتها ضمن عمل حقيقي رائع ومؤثر عميق وغريب
10/10 

0 التعليقات:

إرسال تعليق