RSS

Stoker - 2013


بعد ما يقارب العشر سنوات على عرضه لتحفته الشهيرة (old boy  ) الفائزة بجائزة لجنة تحكيم مهرجان كان والذي صنع بها لنفسه اسماً قوياً وخط بداية مشروع ناجح في السينما ها هو المخرج الكوري بارك شون ووك ينجح باختراق أمريكا ليقدم فيها أول أفلامه  Stoker والذي يبدو بالنسبة لي إنه من أفضل أفلام العام رغم إن الوقت ما زال مبكراً جداً على توزيع التصانيف.


هوليوود كانت وما زالت تسعى دوماً إلى جذب الأسماء الكبيرى إخراجياً من خارج القارة الجديدة ليقدموا أعمالهم في استديوهاتها، بالأخص إذا كانت هوية أعمال أولئك المخرجين ذات صبغة عالمية بعيدة عن محلية بيئاتها، ولكن القليل فقط الذي ينجح والنادر هو من يستمر، التايواني إنغ لي حقق ذلك الاختراق الناجح منذ ما يقارب العشرين سنة وهو حالياً من إنجح المخرجين العالميين، الإسباني اليخاندرو امينبار اخترق هوليوود بفيلم واحد عام 2002 هو الآخرون ورغم إن تجربته تلك هي من أفضل أعماله وربما من أفضل أفلام الرعب التي قدمتها هوليوود في العقد الماضي ولكنه لم يكرر التجربة، اليوم تجربة بارك شون ووك تشبه كثيراً تجربة امينبار ليس فقط من حيث وجود نيكول كيدمان ببطولة العملين ولكن الأجواءالمشحونة الموترة التي تسوود العمليين، مسحة القوطية المعاصرة فيهما، البناء الممتاز والمحبوك فيهما، المفاجآت العديدة والتحولات الشديدة الإثارة رغم الابتعاد عن أي عامل مثير صاخب وتقليدي، الشكل البصري الممتاز والمدعوم بآداءات رائعة، بارك شون ووك نجح أن يقدم هذا كله بهذا الفيلم رغم إن عمله لا ينتمي لصنف الرعب، هو عمل جريمة نفسي منسجماً مع مشروعه القديم الذي قدمه في ولده العتيق، البحث وراء الغرائز الدموية للإنسان، العلاقات الجنسية المحرمة، إنعكاسات الماضي المذنب للشخصيات على واقعها وإرث الدم الذي ينتقل عبر الأجيال ورغم انتماء العمل بالكامل لهوية شون ووك ومشروعه ولكنه وفي نفس الوقت – وكما فعل سابقاً – يحمل الكثير من الوفاء لأفلام الإثارة الأمريكية العظيمة التي لطالما ألهمته لوليتا كوبريك و كاري دي بالما بل حتى سايكو هيتشكوك كان حاضراً وبطريقة ذكية جداً ليس فقط بمشهد الدوش الخادع بل المشهد الأخير مع الشرطي لا تستطيع خلاله إلا أن تتذكر وجه الشرطي من سايكو حين أوقف جانيت لي أثناء هروبها بعد السرقة وهو يملئ الشاشة بنظارته السوداء، ليس هذا فقط بل إن فينشر مجدداً كان حاضراً وليزابيث التي ابدعها فينشر بالأنكليزية في فتاة بوشم التنين ترمي بظلالها بطرق خادعة في هذا العمل أيضاً .
القصة هي عن انديا ستوكر (مايا واسكوسكا) مراهقة على اعتاب عيد ميلادها الثامن عشر تتعامل مع سنها الحرجة كوسيلة للبحث عن ذاتها، تشعر بأنها دوماً مقيدة بشيء غريب لا تفهمه وتريد أن تتحرر منه، تريد أن تكتشف شيئاً سرياً بداخلها لا تعرفه ولكنه يلح بقوة لينطلق ويتحرر معها، تشعر إن هذا الشيء هو في الطبيعة خارج حدود منزلها الضخم ، تقضي وقتها في الصمت والعزلة تنصت لأصوات الطبيعة تتأمل الحركات الدقيقة فيها علّها تستطيع تمييز الصوت الذي يناديها والذي يخبرها بحقيقتها، يتوفى والدها ريتشارد (ديرموت ماولروني) بشكل مفاجئ مما يصدمها بطريقة غريبة دون أن تستطيع التعبيير عن الكسر الذي أصيب بداخلها ويظهر خلال الجنازة عمّها الوحيد تشارلي (ماثيو غود) المختفي الذي لم يسمع أي أحد عنه شيء ويقتحم عائلتهم بشكل يبدو منجداً لأرملة أخيه إيفا (نيكول كيدمان) التي لطالما شعرت بفراغ في حياتها مع إنغماس زوجها الرحل بالصيد والمغامرات وسرقته لأبنتها منها التي لم تعد تشعر بأي تواصل معها مع استحواذ والدها على كل عالمها، ويبدو تشارلي ليس فقط منقذاً لها من الوحدة بل عوناً ممتازاً لمحاولة التواصل مجدداً مع ابنتها، أنديا لا تشعر بالراحة لهذا الدخول ترى بتشارلي غريب يحاول أن يحل مكان والدها ومع استمرار الأحداث يملؤها التوتر والخوف مما يحمله تشارلي لها ، يبدو محيطاً بها محاولاً عمداً أن يستحوذ عليها بطريقة مريبة ، يبدو غامضاً مليء بالأسرار والنواية السيئة نحوها وكأنه يريد استفزاز السر بداخلها لينفجر، والصدمة حين تعلم ستوكر إنه لطالما كان معها طوال حياتها يصنع الوحش بداخلها والذي لطالما كان والدها يحاول تلقيم أظفاره.
في منتصف العمل تقتحم عمته جين (جاكي وينفر) وتبدو هي الوحيدة التي تعلم بالسر حول تشارلي وريتشارد تشعر بها أنديا كمنقذ لها ودليل يساعدها لتقوي موقفها بإخراج تشارلي من حياتهما ولكن تشارلي لم يسمح للأمر أن يمر بسلام هكذا وعندها ترى ستوكر نفسها وجهاً لوجه وحيدة لتواجهه ، ليس بمعركة بقاء أو إثبات وجود ، بل معركة تحرر ، معركة ولادة خاصة بالنسبة لها ، معركة لاطلاق الوحش الذي أراده تشارلي أو البقاء على شكل الفتاة البريئة الذي أراده لها والدها .
العمل يحاول ككل أفلام الإثارة التي تناولت المراهقات – كاري مثلاً – الابتعاد عن الدراسة النفسية المعمقة والتركيز على جانب الإثارة ، الابتعاد عن دراسة الحالة والاكتفاء بتقديمها وتطويعها بجانب يشد المشاهد ويجذب انتباهه ويثيره، الاكتفاء بالقليل من العوامل والحوافز والدوافع والتركيز على النتائج، النتيجة بهذا العمل كانت ممتازة ، بارك شون ووك ينجح بأن يصنع عمل بغاية الإثارة والتشويق بأكثر عوامل الهدوء ممكنة، يستفيد من المكان المغلق ويزاوجه مع المساحات الطبيعية المفتوحة المحيطة به مع صنع أجواء قوطية موترة وكئيبة ومخيفة جداً، يستغل الإضاءة والموسيقى ويتلاعب بالمونتاج، والأهم من هذا استغلاله لأداءات ممثليه العظيمة، واسكوسكا رغم صغر سنها ولكنها تهيمن على العمل بقوة ، الشابة التي قدمها تيم بيرتن كنجمة على الشاشة في أليس في بلاد العجائب و شاركت بالفيلم المرشح للأوسكار الأطفال دوماً على صواب تعيد للذاكرة إلى حد ما سيسي سبيسك كاري الأداء الصامت المقموع الجانح للتحرر وتحطيم القيود ، مايا تبدع بملامح الوجه نبرة الصوت نظرات العيون، نوعيه من الأداءات التي أعشقها وهي أصعب الأداءات في السينما، الأداءات الداخلية الخالية من الانفعالات الجسدية الخارجية لشخصيات مليئة بالانفعالات النفسية، على مستوى واحد يبدو ماثيو غود مبهراً يملئ العمل بالتوتر والخطر والشك والغموض والجاذبية في نفس الوقت، هو يحمل لوحده عاتق الإثارة والتشويق في العمل ويلعب بذلك بالانفعالات الصامتة الداخلية للتعبير عن الشخصية.
نجم العمل الحقيقي هو شون ووك ليس فقط بأسلوبيته الهادئة المميزة بصنع الإثارة وكأننا أمام فيلم كلاسيكي بل إن بصمته موجودة في كل مكان، أسلوبه المفضل لتصوير الأمور الدقيقة وتضخيمها وصنعه المميز لمشاهد القتل وتناثر الدماء وإظهاره خلال العمل الارتباط الهام للماضي بالحاضر وجرأته بصنع علاقة محرمة والتلاعب بها وشبكها بين يديه بإحكام و ترك المشاهد على الحافة يملؤه الفضول حولها وحول ما ستطور له ربما بهذا العمل لم يكن صريحاً صادماً كعلاقة السفاح في الولد العتيق ربما لأن الجمهور الأمريكي ليس مستعداً بعد لرؤية هكذا علاقة على السينما ولكن تلاعبه أعطى للعمل توتراً وفضولاً جيداً يحافظ على السؤال ماذا يريد تشارلي من أنديا هل يريدها ابنة له أم يريد أن يكون معلماً لها أم عشيقاً ورغم إن شون ووك يميل إلى جعله معلماً لها ولكنه لم يصرح بحل العلاقة في النهاية وتركها معلقة وهذا باعتقادي شكل ثغرة بالعمل، العمل يحوي بعض من القصور والغموض غير الضروري من ناحية شكل الحياة التي عاشها تشارلي بعد حادثة جوناثان ثم شخصية إيفا ضئيلة وفاعليتها محدودة بالعمل وهذا أعاق نيكول كيدمان عن تقديم شيء مهم للعمل ويبدو الدور قزماً أمام موهبة وقامة كيدمان وهذا الشيء منعها من الابداع بالدور رغم محاولتها سرقة لحظات الاهتمام والتفاعل الاعتراض هنا ليس على الشخصية هي مكتوبة بشكل جيد ولها مساحتها المستحقة في العمل ولكن الاعتراض هو باختيار نجمة مثل نيكول كيدمان بالدور تستحق مساحة أكبر لماذا لم يختر شون ووك فيرا فارميغا للدور مثلاً؟.
فكرة إرث الدم والجريمة يهتم ووك بمعالجتها بطريقة غير مباشرة ولكنها ممتازة وجديدة تشارلي المجرم الفطري الذي يريد وريثاً له أمر يشبه لعنة أدركها ريتشارد فحاول أن يعصم ابنته عنها بالطريقة التي عصم بها نفسه وهي بالميل إلى الصيد كتخفيف وإشباع مقبول لغريزة الدم ولكن اختفاءه الغامض وظهور تشارلي يعود ليوجه أنديا نحو حقيقتها وقدرها ورغم إن الوحش الذي أطلقه يفترسه هو في البداية ولكنه ينجح وتبدو أنديا فعلاً قوية ومستقلة ومرتاحة جداً حين أدركت حقيقتها .
العظمة الحقيقية بالعمل بالنسبة هي في المونتاج بنوعيه الصوتي والبصري، المونتاج الصوتي والمزج بين الموسيقى الرائعة لنيل مارشل ومعزوفات البيانو الكلاسيكية كان ممتاز أما المونتاج البصري فهو من المونتاجات العظيمة التي شاهدتها في السنوات السابقة المزج بين الماضي والحاضر وانعكاسات ماجرى على ما يجري، إظهار حالة انسلاخ أنديا عن نفسها وهي تكتشف ذاتها وتتحول بالأخص بمشهد الحمام والدوش الذي يشعرك إن أنديا انفصلت لاثنتين ، مشهد مراقبة والدها لها أثناء ارتدائها الكعب العالي أو اثناء مشهد القتل وكأنه حاضر معها بالأحداث ويراقبها، عظمة المونتاج تلحظها بطريقة السرد الممتازة التي يصنعها والانتقال بين المشاهد والمزج بينها، شيء تجريبي إلى حد ما رغم إننا شاهدناه بأعمال سابقة كتان تان ولكن هنا يبدو أكثر إحكاماً وأهمية وجمالية للعمل.
8.5 / 10     

0 التعليقات:

إرسال تعليق