RSS

Les deux Anglaises et le continent – 1971



نور الدين النجار
الحب لا يجعل الحياة صعبة، تعقيده هو ما يجعلها صعبة
جاءت من باب الصدفة بعد حوالي الشهر أو أكثر على تتويج رائعة مايكل هانكة (Amour ) أن أشاهد رائعة آخرى ناطقة بالفرنسية تتحدث عن الحب وتعقيداته غير المفهومة، فيلم الأسطورة فرانسوا تروفو هذا (Les deux Anglaises et le continent Tow English Girls ) هو أحد تلك الأفلام التي تتعمق بحالة الحب دون أن تتعمق برومانسيته وشغفه، يقدم علاقة ثلاثية بين أختين إنكليزيتين وصديقهما الفرنسي وضمن هذه الشخوص الثلاث يقدم كل صور العلاقات الغرامية في السينما الحب الثلاثي ، الحب المحرم، الحب العذري، الحب المعذب ، الحب الجامح ، الحب من طرف واحد ، ولكن دون أن نرى في هذه الحالات جميعها حب بمعناه الحقيقي، الحب في تلك العلاقة الغريبة هو حالة تنتاب الشخصيات تشعر إنها تحتاجها ولكن بعد العثور عليها تتخلى عنها أو تحولها لوسيلة لوصول لحاجات أخرى، لتتحرر لتنتقم لتختبر الحياة لتعالج نفسها أو لتعذبها بنفس الوقت، الشخصيات في العمل تبدو غير عابئة بالحب أو مهتمة له ولكنها تناضل لأجله بعنف وحين تحصل عليه ترميه بسهولة حين تكتشف زيف ما كانت تشعر به وإنها لم تكن بالأصل تسعى للحب بل تسعى للتحرر من خلال الحب ولتتعالج من خلاله ومنه .


الفيلم يبدأ بفرنسا بدايات القرن العشرين آن (كيكي ماركهام) الشابة الإنكليزية تزور صديقة والدتها الفرنسية هناك وتتعرف على أبنها كلود (جان بيير لويد) الذي يدور معها فرنسا ليعرفها على الثقافة الفرنسية ويساعدها على تقوية لغتها ، آن التي تبدو منغلقة وعفيفة تبدأ بالإعجاب بكلود وتطلب منه زيارة إنكلترا ليتعرف على عائلتها أكثر وبالأخص على صديقتها الوحيدة وأختها موريل (ستايسي تيندتير) ، في إنكلترا تبدأ العلاقة بين كلود والفتاتين علاقة صداقة وأخوة ولكن كلود يبدو من خلالها يبحث عن الحب، عن مغامرة عاطفية في بلاد غريبة مع فتاة غريبة لا يهمه أي واحدة منهما ولا تغريه صفات أي واحدة منهما، هو ينتظر فقط من تبادره لتكسر حاجز الأخوة والصداقة ، يقارن بينهما فيراهما متماثلتان ولا تهمه صفاتهما ولا تهمه النتيجة تهمه فقط المغامرة، موريل هي من تبادره بالحب من باب فضول اكتشاف الحب وأمها تراقب الموقف وحين يتطور الأمر تجد في الموضوع فرصة مناسبة لتزويج أبنتها من شخص راق يحبها لتتخلص من مشاكلها النفسية والصحية، ولكن والدة كلود ترفض الزواج وترى بالأمر مجرد نزوة شباب، وبينهما آن تشعر بصدمة بسبب تخلي من أحبته عنها لصالح أختها بسبب عفتها مما يولد لديها ردّة فعل مجنونة تجاه فكرة الفضيلة والرذيلة.
والدة كلود تعقد صفقة مع والدة آن وموريل، عدم لقاء الشابين العاشقين لمدة سنة حتى يتأكدا من مشاعرهما وإن الأمر ليس مجرد نزوة شباب، يعود كلود إلى فرنسا وينشغل بإدارة أعمال أسرته وبممارسة أعماله الفنية، يدخل بعدّة علاقات عابرة ويرى إن الحياة أكبر من مجرد مغامرة رومانسية في بلاد غريبة يعمل فيها بترجمة الرسائل ويقضي أيامه مع فتاة أحبها، لذلك يقرر التخلي عن موريل، موريل الأخرى كانت قد أدركت إن مشاعرها مجرد صبيانية وطائشة ولم تعد تريد الاستمرار ولكن أن يبادر كلود بهجرانه يصدمها يدخلها بأزمة نفسية تلعب بها دور الضحية، تشعر بجرح لكرامتها ولكن لا تشعر بالحزن لخسران حبيب، تتلذذ بالشعور بالمآساة بتعاطف الناس معها وتتقن الدور جيداً، تكتب عدّة رسائل مليئة بالحزن ولكنها لا ترسل سوى رسالة باردة تعبر عن حقيقة ما تخفيه الذي لا تصرح به لأحد حتى لنفسها، ردّها البارد يصيب كلود بالصدمة، كان يتوقعها أن تنهار لخسرانه ولكن ذلك لم يره ، لذلك تبدو المشاعر تعود لتتولد بداخله، شعر إنه لم يحقق مراده لم يجعلها تقع بحبه لذلك يعود ويحبها مجدداً ليجعلها تقع بهيامه.
المرحلة الثانية من العمل تبدأ مع عودة آن لفرنسا ولقائها بكلود، آن اختلفت تخلت عن ثوب العفة الذي دمرها وأصبحت مستعدة لأي شيء لتعيد من تحبه مجدداً له، وتنجح بذلك ، وبعد ممارسة الجنس معه تكتشف إنها لم تكن تحبه، أو إن حبها أنتهى له ، هي كانت تريد اكتشاف عالم الرجال المجهول لها، هي كانت تريد تحرير نفسها من وطئة البيئة المحافظة التي تعيشها، اكتشافها لأنوثتها مع كلود يجعلها تنطلق لغزوات عاطفية أخرى تعقد اتفاقية مع كلود على أن يحافظا على علاقتهما الغرامية مع احتفاظهما بحق ممارسة الجنس مع آخرين، الأمر يثير غيرة كلود ولكنه لا يتدخل لأنه هو ليس مستعد ليلتزم بامرأة واحدة، آن تتغير تكتشف الحب وتكتشف الجنس تكتشف ذاتها وترى بنفسها نحاتة خلقت لتنجب قطعات فنية لا أولاد ، تدخل بعلاقة مع شاب تذهب معه لتزور بلاد فارس وتتخلى عن حبيبها كلود، هي تريد اكتشاف العالم ولكنها تبرر ذلك بان كلود ما زال يكن المشاعر لموريل لذلك تحاول التعويض عنه بإعادة جمعهما سويةً.
المرحلة الثالثة من العمل تبدأ حين يجتمعا سويةً لا ينجح الأمر لوجود آن بحياتهما، لم تستطع موريل المحافظة أن تدخل بعلاقة عاطفية مع كلود بوجود أختها التي سبقتها، تتخلى عنه وتهرب وتكتب له رسالة تعترف به بأنها ليست تلك المرأة العفيفة التي يخالها ولكنها تريد أن تتجاوز أخطائها ومعاصيها ولا تستطيع ذلك بدخولها بعلاقة مع رجل مارس الجنس مع أختها، تعتزل الحياة لتعليم الأطفال ولكن حين تتوفى أختها يختفي الحاجز وتذهب لتلتقي كلود  دون وسائط ، دون أن تأتي به لها أو تذهب بها إليه، يعودان هذه المرة ليبدءا مرحلة جديدة بنفسيهما ، ولكن وبعد أن يجتمعا سويةً يحققان حلمهما ويمارسان الجنس تحطم موريل قلب كلود، تنتقم منه على تخليها عنه وتتركه هي هذه المرة، تثأر لكرامتها الجريحة منذ ثمان سنين وتتحرر من عقدة حبه ومن الفضيلة والرذيلة، تختار طريقها بعد أن اختبرت العفة والرذيلة، تعيش كامرأة عادية تتزوج وتستقر وتنجب ابنة ولا تلتقي بكلود مجدداً ولكن ذلك يعيش بقية عمره متحسراً على ضياع حبه الحقيقي الذي أحس به أخيراً عند موريل ولكن بعد فوات الآن.
ما يقدمه تروفو بعمله عظيم جداً، اقتباسه لرواية هنري بيري روشيه ممتاز، اختزاله للسنين والمحاور الدرامية والتطورات والعلاقات المعقدة في ساعتين يبدو مبهراً، تروفو يهتم بلغة الصورة والراوي أكثر من الحوار دون أن تشعر بالمباشرة، شيء من محاولة كسر الحاجز أعطاء أول الخيط للمشاهد وتركه ليكتشف الباقي ، العمل يسير بخط متزن دون أي لحظة ضعف، صعب من كثرة المحاور التي اختزلها تروفو وقدمها ولكنه شافي وكافي دون أن يجعلك تشعر بشيء مجهول أو فيه لبس، دراسة عظيمة للشخصيات لعلاقاتها لتناقضاتها لنوازعها لأفكارها دون تقصير مع أي شخصية أو أي محور، عمل لا تشعر به بلحظة ضعف أو قفزة أو تجاوز أي محور ، التصوير والكوادر والمونتاج والموسيقى ممتازة الأداءات جيدة دون أن تشعر بوجود أداء حقيقي بارز، هو عمل ممتاز عن تعقيد الحب وتعقيد العلاقات العاطفية عن حالة التحرر النسائي والتحرر الجنسي في بداية القرن العشرين، عن حالة الحب التي تجتاح الإنسان ومعناها واستغلالها ، عن حياة كاملة يعيشها الإنسان دون أن يعيش الحب بل أن يعيش وهمه فقط، هو عمل عظيم جداً.
10/10

0 التعليقات:

إرسال تعليق