RSS

Argo - 2012



مع وصول الخلافات السياسية بين الولايات المتحدة وإيران لذروتها يأتي بين أفليك في آخر أفلامه (آرغو) ليعود ويروي بدايات ذلك الصراع ويصنع ما يمكن عده جزء ثاني لأنسبشن بدون خيال أو أكشن ولكن بنفس إثارة تحفة نولان السابقة، أفليك الذي يشق خطاه ليصبح من المخرجين المعاصرين الهامين بعد فيلمين غارقين بالمحلية البوسطونية يخرج هذه المرة من حدود أمريكا وحدود الزمن المعاصر ليروي قصة استثنائية مشوقة جداً ومروية بطريقة ممتازة جداً ومصنوعة بشكل شديد الجاذبية ولكنها عانت الكثير والكثير على صعيد بناء الشخصيات وصنع العمق المطلوب للحدث.


بعد نشوب الثورة الإيرانية و وقوع أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979، ستة من الملحقين العاملين في السفارة الأمريكية مختفيين ومختبئين برعاية السفارة الكندية، الحكومة الأمريكية تسعى جهدها للعثور على طريقة مناسبة لتخليص رعاياها دون اللجوء إلى عمل عسكري غير محسوب العواقب وربما يؤدي إلى حرب قارية ، وكالة المخابرات الأمريكية تستعين بأحد خبرائها المميزين توني منديز (بين أفليك) للعثور على الحل ويضع خطة مستحيلة بتصوير فيلم خيال علمي وهمي في إيران واستغلاله لتهريب الرعاية الأمريكيين.
ربما هذا أكثر أفلام أفليك المخرج نجاحاً وأحد الأسماء المضمونة لدخول ترشيحات الأوسكار لهذا العام، ولكنني لم استطيع أن أمنع نفسي من اعتباره أضعف ما أخرجه أفليك حتى الآن، ربما العمل يحوي الكثير من العوامل المميزة أكثر من فيلميه السابقين وكان واضحاً جهده على صعيد السرد وصنع أجواء القصة المكانية والزمانية وتميزه بصنع إثارة استثنائية في العمل  ولكن من ناحية رسم الشخصيات وعلاقاتها كان شديد الضعف، من الممكن أن نتفهم سبب قبول (منديز) المهمة فهذا عمله ولكن استمراره بها حتى بعد إلغائها لا يبدو مبرراً أو مفهوماً ، الشخصية آلية موظف يسير ضمن أوامر محددة دون أي عمق عاطفي أو درامي حاول أفليك أن يصنع لها أبعاداً بصنع ملامح أو ومضات لعلاقته بابنه أو محاولة صنع بناء هش جداً لعلاقته بالرعايا المختفيين ولكن كل تلك المحاولات جاءت شديدة السطحية وغير كافية وأداء بين أفليك ضاعف من سوء رسم الشخصية أدائه عميق أكثر من المطلوب جاد أكثر من المطلوب درامي أكثر من المطلوب تشعر به ثوباً فضفاضاً جداً على جسم هزيل أداء ممتاز ولكن دون أي عمق للشخصية يدعمها لا تفهم سبب ذلك المقت أو الدرامية التي ظهر بها رغم إن أفليك يحاول تبرير ذلك بمشاكله العائلية أو المآزق الذي وقع فيه ولكنه لم ينجح بذلك ، كان من الأفضل لو ظهر أكثر قوة وأكثر صلابة لكان تناسب أكثر مع الشخصية الكرتونية التي يلعبها، على عكس أداء ألان أركين الممتاز الذي عمل بطريقة أخرى فرغم إن شخصية المنتج هي أكثر شخصيات العمل هشاشة وغير مبررة أبداً وغير مفهومة أبداً ولكن أركين بأدائه المبهر جداً لا يعطيها المبررات لأنها غير موجودة بالنص أو موجودة ولكن بشكل سطحي جداً وسريعة بل يعطيها جاذبية خاصة وكاريزما عالية جداً، من ناحية أخرى لا يصنع أفليك لشخصيات الرهائن أي عمق أو أهمية لا تتفاعل مع أي شخصية منهم أو تشعر إنها هامة بالنسبة لك رغم إن أفليك يبدع بتصوير يوميات الخوف والقلق الذي يعيشونه، وراعيتهم الأيرانية لا تبدو ذات أهمية أبداً للعمل وتشعر بها كشخصية زائدة، حتى حين ينتهي كل شيء لا تهتم أبداً بمصيرها لأنها بالأصل لم تكن مهمة كشخصية وتشعر بمشهد لجوئها إلى العراق مشهد زائد على العمل.
سطحية الشخصيات وعلاقاتها تمتد لتصيب العمل ككل، الفيلم يبدو توثيقي بامتياز دون أي فكرة أو رسالة عامة أو خاصة يريد إيصالها باستثناء تحية لبطولة أمريكية، أفليك يحاول أن يصنع أهمية وهمية لعمله ولكنه لا ينجح بذلك، لا تشعر به كقصة بطولة خاصة حقيقية رائعة كأفلام رون هاورد أو كرائعة توم هوبر الخطاب الملكي أو فيلم بينت ميللر موني بول رغم إن أفليك كان يجتهد جداً ليلاحق تلك الأفلام دون أن يصل لها، ثم العمل يبدو طفولياً جداً بتصويره للشخصيات الإيرانية، التصوير سلبي جداً أكثر من اللازم يشبه تصوير الشخصيات النازية والسوفيتية والصينية والفيتنامية في أفلام أكشن الثمانينات.
رغم سطحية العمل التي نرميها بشكل رئيسي على النص فإن أفليك يعوض ذلك بأسلوب روي الحدث، يجذب المشاهد لعمله حتى اللحظة الأخيرة دون أن يشعر بأي ذرّة ملل، منذ المشاهد الأولى يركز أفليك على التوثيقية ويقدم أجواء الاحتجاجات الإيرانية واقتحام السفارة الأمريكية بشكل ممتاز جداً وشديد الواقعية ويصنع جو من التوتر والفوضوية المميز ثم ينتقل إلى أجواء هوليوود العابثة واللاهية مع شيء من الكوميدبة السوداء المستترة ويدخل بتفاصيل عمل المخابرات وتفاصيل الحدث، يوميات الرهائن بالاختباء والتوتر الذي تعيشه الحكومة الأمريكية، وحين تبدأ المهمة بالتنفيذ يصنع أفليك إثارة متصاعدة نحو الذروة بشكل مدروس جداً ومتقن تجعل المشاهد مشدود الأعصاب حتى اللحظة الأخيرة، رغم إن القصة نفسها لا تحوي الكثير من التفاصيل ولكن أفليك يستغل ما يملكه ليصنع إثارة وتشويق رفيعة المستوى ومحترمة جداً مع حوارات ذكية وجذابة.
الميزات الفنية بالعمل رائعة جداً تصوير أمين وممتاز جداً لحقبة السبعينات وإخراج فني رائع لتفاصيل إيران وأمريكا ومكياج وملابس ممتازة وأسلوب تصوير كلاسيكي جيد وموسيقى رائعة أما المونتاج فهو ليس أفضل ما في العمل بل ربما أحد أفضل إنجازات المونتاج في السنوات الأخيرة أعطى جمالية عالية لعمل عانى الكثير والكثير من الهشاشة الدرامية.
7.5 / 10 

0 التعليقات:

إرسال تعليق