RSS

Predestination.2014




شاهدت الكثير من أفلام الخيال العلمي حول السفر عبر الزمن والقليل منها هو الجيد (The terminator – Back to the future – looper) ولكن لا أذكر إني شاهدت فيلم صور السفر عبر الزمن بهذا الشكل الجنوني كما فعل الأخوين سبريج بهذا العمل، سبق لي وأن شاهدت للأخوين الألمانيين فيلم Daybreakers 2009 بطولة إيثان هوك أيضاً، عمل غرائبي عن عالم يحكمه مصاصي الدماء ، فيلم كان جديد من حيث الفكرة ومليء بالخيال والحلول الذكية وجيد بصرياً ولكنه ضعيف بجوانب أخرى من حيث القصة إلا إنه من خلالها يمكن ملاحظة وجود أخوان لديهما مشروع أو أسلوبية وموهبة لم تصقل بعد، وبعمل اليوم تجاوزا الكثير من نقاط ضعف عملهما السابق وظهر بنضج أكبر جداً، صنعا عمل بنتيجة قريبة جداً للمثالية ولكن مليئة بالهفوات إلا إنه عن جدارة أحد أذكى أعمال 2014 وأكثرها قدرة على الخداع.

العمل يتحدث عن منظمة مكافحة جريمة ينتقل عملائها عبر الزمن لمكافحة الجرائم قبل وقوعها، منظمة فيها الكثير والكثير من القيود الصارمة وعملائها شبه خفيون عن العالم، عام 1974 يعجز أشهر عملاء المنظمة (إيثان هوك) عن الإيقاع بأحد أخطر إرهابي القرن العشرين ومنعه من تفجير نيويورك الذي سيؤدي إلى مقتل 10000 إنسان، المهمة تصيبه بتشوهات خطيرة تغير ملامحه وتؤدي به إلى التقاعد، ولكن قبل التقاعد عليه القيام بمهمة أخيرة لا يصرح عنها العمل ونكتشفها حين يعود إلى 1974 ويلتقي بشاب غريب في أحد البارات ومن خلال الحوار معه نعيش قصة حياة استثنائية وشديدة الغرابة والتطرف لنتعرف في النصف الثاني على المهمة الأغرب التي كلف بها العميل أو عامل البار مع ذاك الشاب.
بعد المشاهدة الأولى تخرج من العمل بحالة من الصدمة والانبهار بجموح قصته وغرابتها والذكاء المصنوعة به، السبريجز يمارسان الخداع بأسلوب ساحر وماهر جداً، ولكن في المشاهدة الثانية يخف الكثير من تأثير العمل وطغيان ذكائه وخداعه على المشاهد ونكتشف بعض العيوب البسيطة فيه والتي أثرت كثيراً على بنيانه.
القسم الأول من العمل مصنوع بذكاء مبهر، هناك حالة من الفضول يعيشها المشاهد نحو لقاء العميل بمن دعا نفسه الأم غير المتزوجة والحوار الذكي يجعلنا نتساءل حول علاقة محادث العميل بالمفجر وهل المهمة الأخيرة مرتبطة به، وحين تروي الأم غير المتزوجة – جين قصتها يدخلنا الأخوان بجو أخر وحالة فضول نحو متابعة تحولات قصتها وانتهائها إلى جسد رجل وهذا القسم يبدو مبهر الصناعة ومشوق بفضل أداء سالي بولي العظيم وتفاعل هوك معها وردات فعله العفوية جداً على قصتها.
القصة في قسمها الثاني جنونية جداً ومشوقة وأسرة ومرتبطة بشكل جيد مع القصة الأصلية والمخرجان ذكيان بأن يحافظا على خط قصة المفجر موجود وظله يغطي القصة، ويحافظ معها العمل على خطه المتصاعد ولكن في النهاية وبعد المشاهدة الثانية تنتابك الأسئلة، لماذا حافظت المنظمة على آلة الزمن مع العميل بعد تقاعده ليتحول إلى مصيره الأخير لماذا لم يكن هناك حل أخر لنقله بدون الآلة وهل كان روبيرتسون (نوح تايلور) يعلم بمصيره، ثم إنه طوال العمل يصفه على أنه أفضل عملاء المنظمة دون أن نرى أي مهمة أو عمل قام به يعزز هذا الانطباع، كما إن بعض اللحظات الدرامية في العمل تبدو ضعيفة رغم قدرة السبريجز على الموازنة القوية بين الفكرة والإثارة، مشهد إخبار جين بالعملية الجراحية التي أجريت لها مفتعل جداً وانعكاسات وردود فعلها على ما يصيبها من نوائب كفقدان ابنتها سطحي جداً على عكس الدراسة المختصرة الوافية والجيدة لحجم فيلم خيال علمي لتأثيرات عملية التحول عليها، وهذه الثغرات التي لم تملئ هي ما تجعل أعمال مثل هذه الفيلم عاجزة عن الوصول إلى مرتبة ماتركس وانسبشن المبهرة والعصية مع تكرار المشاهدات دون أن ينتقص شيء من قيمتها أو تلاحظ أخطائها بل تكتشف فيها ميزات وأهمية إضافية.
ولكن مشكلتي مع العمل هي عدم شعوري بمنطقية ما يجري، ليس من حيث الفكرة فنحن أمام خيال علمي، ولكن هل كان من الضروري إدخال جين بهذه الدوامة طوال حياته فقط لتصبح عميل بمنظمة حكومية سرية، تبدو من حجم الفوضى التي عاشت بها حياتها إنه يتم إعدادها لشيء أكبر وإنها تخضع لاختبارات ودراسات لأمور أهم فأمام هذه النشأة وهذه التحولات والمراقبة يبدو معها منصب العميل الحكومي ضئيل جداً بالأخص حين نرى المصير الأخير الذي انتهت إليه وعدم لمسنا لأهمية ما قدمه للمنظمة.
العمل محبوك بجدية وقوة بأكبر قدر ممكن والسيناريو على درجة عالية من الذكاء والأجواء البصرية والمونتاج والتصوير والموسيقى ممتازة، السبريجز تطورا جداً عن فيلمهم الأول ولكن يحتاجون للمزيد وهما خامة جيدة لذلك، تعاون إيثان هوك - أفضل ممثل للموسم ونجم العام الماضي – معها يقدم لهم الكثير وهو بأدائه المتقن والحرفي والعفوي يقدم الكثير للعمل ولكن الصدمة والمفاجأة الحقيقية هي سارة سبونك بأداء مبهر جداً وخادع وشديد العمق والتأثير وأحد أفضل الأدوار النسائية لهذا العام  وميلاد موهبة تمثيلية شديدة الاحتراف والذكاء.
8/10

0 التعليقات:

إرسال تعليق