RSS

Good Will Hunting - 1997



نور الدين النجار
ربما لا يكون هذا العمل أهم الأعمال التي قدمتها السينما الأمريكية ولكنه يملك أكثر قصة صناعة فيلم جذابة وملهمة، مات ديمون و بين أفليك شابان طموحان في العشرينيات يعيشان في منزل مشترك في هوليوود مع خمس أصدقاء يحلمان بالنجومية في عالم السينما ويؤمنان إنهما يستحقانها ولكن على طول التسعينات لم يعطيهما أحد الفرصة ، مات ديمون كاد يلامس النجومية في ميستيك بيتزا عام 1989 ولكنه بعدها اختفى و بين أفليك تبناه كيفن جيمس وصنع منه أحد نجوم أفلامه المستقلة وعلاقته بغوينث بالترو جعلته وجهاً معروفاً على صفحات المجلات ولكن كل ذلك لم يصنع منهما النجمان اللذان يحلمان بهما، وحين لم يعطهما أحد الفرصة قررا صنعها بنفسيهما، المسرحية القصيرة التي مثلاها على مسرح الثانوية في بوسطن عملا عليها لتصبح نص فيلم سينمائي ثم ناضلا أكثر من سنتين ليعثرا على ممول حتى حقق لهما المنتج لورانس بيندر الحلم واشترى العمل وأسنده للمخرج جوز فان سانت وجعلهما بعد مفاوضات صعبة نجمي العمل بالإضافة إلى وجود الأسطورة روبين ويليامز في الدور، عام 1997 عرض العمل وما تمنياه أن يكون انطلاقة لهما تحول إلى أحد ظواهر العام السينمائية الأهم وأحد أنجح أفلام سنته على شباك التذاكر وبعد أشهر قليلة كان ابنا بوسطن الفقيران يقفان على مسرح كوداك وينالا أوسكار أفضل سيناريو عن عمل غارق بالبيئة الاجتماعية عن المدينة التي خرجا منها عن الأشخاص اللذين عاشوا بينهم وتحولا بين ليلة وضحاها إلى نجوم الصف الأول في هوليوود.

Lopper - 2012



نور الدين النجار
لا يمكن أبداً أن تشعر بالسأم من سينما الخيال العلمي بفضل مداها المفتوح لتقديم كل ما هو غير ممكن وغير تقليدي وغير واقعي بصورة مقبولة جداً تشعرنا بالرضى لأننا بكل بساطة ندرك إنها خيال، ربما نصاب بالضجر منها حين تكرر مواضيعها ولكن حين ينجح صناع هذا النوع بكسر الحاجز بين الخيال والواقع وتقديم معالجات جديدة لمواضيع تقليدية وصنع شخصيات حقيقية وشديدة الإنسانية ضمن أحداث غارقة بالخيالية فعندها سنحصل على وجبة سينمائية شديدة الإمتاع، فيلم Lopper   - صانع الحلقات (تأليف وإخراج رايان جونسون) يحق هذه المعادلة يقدم مواضيع مكررة في سينما الخيال العلمي (السفر عبر الزمن ، البحث عن مخلص آخر الزمان ، السعي لتغيير المستقبل ، مغامرة شديدة الإثارة ومشبعة بأجواء الأكشن بسينما الخيال العلمي) ولكنه يعطيها معالجة جديدة ووافية جداً وممتازة.
الفيلم حظي بدعاية ممتازة جعلته من الأعمال السينمائية المنتظرة جداً ووصف باكراً بأنه سيكون من أعمال الخيال العلمي التي ستحدث فارقاً بهذا النوع، وجود بروس ويليس وجوزيف جوردن لوفيت ببطولة العمل أعطى جرعة من الأمل بذلك، بروس ويليس تألق سابقاً بفيلم سفر عبر الزمن هو (12 قرد) وما زال الجمهور يذكر مشاركة جوردن لوفيت الممتازة بفيلم الخيال العلمي المذهل (تأسيس)، وجود هذه الأسماء يعطي انطباع وجود خبرات وراء صنع هذا العمل، وكون المخرج شاب ومغمور يزيد بالنسبة لي هذا التفاؤل فلطالمة كانت روائع الخيال العلمي – بالأخص في السنوات الأخيرة - يتصدى لها مخرجين مغمورين في أول أعمالهم ( نيل بلوكامب في الضاحية 9 ، دونكان جونز في قمر ، الأخوين واشكوستي في ماتركس وقبلهم طبعاً ريدلي سكوت وجيمس كاميرون في Alien  و The Terminator ) ، الفيلم عند عرضه حقق نجاح ممتاز على الصعيد النقدي والتجاري وظهر بشكل فني رائع جداً ولكن لا يمكنني أن أقول إنه من الأعمال التي ستغير خط سير الخيال العلمي، الفيلم ذكي جداً، خيالي جداً، مشوق جداً، ودرامي جداً، كان ينقصه المزيد من الإثارة والأكشن ولكن بالمحصلة نستطيع أن نقول إن رايان جونسون أثبت نفسه كأحد المواهب الشابة التي قد يكون لها النصيب بأن تكون بين الكبار مستقبلاً.
القصة تدور عن جوي (جوزيف جوردن لوفيت) قاتل مأجور من جماعة صناع الحلقات في عام 2044 حيث ترسل إليه العصابات أهدافها من المستقبل (من عام 2074) لتصفيتها والتخلص منها بسبب صعوبة القيام بجرائم في المستقبل بفضل تطور تقنيات الملاحقة الجنائية، المستقبل يصوره جونسون سوداوياً وكئيباً، العالم لم يتطور للأفضل بل تراجع كثيراً ولكن هناك لمحات تطور تقنية عظيمة تنبأ بقرب اكتشاف تقنية السفر عبر الزمن عدا إن الإنسان بدأ يتمتع بشيء من الطفرات الجينية الخارقة، جوي يعيش حياة فارغة ممزوجة بين القتل وإدمان المخدرات ومعاشرة العاهرات يوفر سبائك الفضة التي يحصل عليها لقاء قتله لضحاياه وينتظر مكافئة تقاعده من سبائك ذهب بفارغ الذهب ليبدأ حياة جديدة نظيفة، ولكن تقاعده لن يحدث إلا حين يتخلص من نسخته المستقبلية مما يعني إنه سيتبقى له فقط 30 سنة ليعيش ، المنظمة ترسل له نسخته ليقتلها وهو لن يتردد بذلك فأمامه مشاريع طويلة لينفذها خلال الثلاثين سنة المتبقية لديه، ولكن المشكلة إن جو العجوز (بروس ويليس) لا يريد الموت وعاد عبر الزمن فاكاً وثاقه ليهرب ويغير المستقبل ويحظى بحياة جديدة بقائه حياً يعني خطر يهدد حياة نسخته الشابة التي لن تتهاون الشركة بتصفيتها للتخلص من العجوز لذلك يتطوع هو لتصفية ذاته العجوز والتمتع بمستقبله الذي يريد العجوز تغيره ليحظى بحياة أفضل.
الفيلم خيال علمي ومثير جداً وذكي جداً ومحبوك بطريقة مذهلة جداً، ربما هذا أحد أكثر نصوص الخيال العلمي تعقيداً وصلابة وذكاءً، جونسون صنع عملاً خيالياً جامحاً ولكنه ضبطه بطريقة شديدة المنطقية والجذب كما فعل قبله الأخوين واشكوسي وكريستوفر نولان، صنع فكرة علمية تنبؤية منطقية جداً ومحبوكة ولن يترك أي مجال للثغرة وقدم تسلسل للأحداث وموازنة بين محوري القصة المرويتين بطريقة جيدة، لم يعمد كثيراً على التشويش والتنقلات بين الحاضر والمستقبل أهتم بصنع تعقيد للقصة ولكن بنفس الوقت بجعلها مقبولة ومستساغة لدى المشاهد وواضحة جداً له ، العمل أعطاه جونسون ثقله السينمائي المستحق من خلال الصورة والتطورات والصراعات رغم ضئالة الميزانية وجعلنا نشعر بأهمية ما نراه ويبقى عالقاً بالذاكرة – على عكس الخفة التلفزيونية التي عانت منها أعمال خيال علمي مشابهة منها الشفرة الرقمية لدونكان جونز العام الماضي - .
مع  كل ذكاء وجموح الخيال وجاذبيته ولكن امتياز العمل الحقيقي هو بفكرة غريزة البقاء والنزوع للتغير التي يقدمها، جوي الشاب يريد قتل ذاته العجوز ليحافظ على حياته ويكسب مستقبله، العجوز لا يستطيع قتل الشاب لأن ذلك يعني فنائه لذلك يتحاشاه بل يحاول إنقاذه من المنظمة حتى ينقذ نفسه أيضاً وبنفس الوقت يريد كسب مدة أطول للعيش وذلك بتغير المستقبل وقتل (صانع المطر) زعيم المنظمة الجديد الذي يريد تصفية صناع الحلقة ، صانع المطر ما زال طفلاً صغيراً في العاشرة يملك الكثير من القدرات الخارقة جوي العجوز لا يعرف عنه شيء سوى تاريخ ميلاده والمدينة التي خلق فيها لذلك يقوم بتصفية كل طفل يحمل نفس تاريخ الميلاد ومكان السكن (وهم ثلاثة فقط) وأثناء التصفية يعاني الكثير من الصراعات الداخلية بسبب وحشية ما يقوم به ولكن تمسكه بصنع مستقبل جديد له وتغيير ماضيه يقوده حتى النهاية، قصة العمل مثيرة ولكن تفاصيلها الإنسانية غالبة عليها، تغيير الماضي وصناعة مستقبل جديد والتمسك بالبقاء، الخيارات الصعبة التي نتعرض لها بالحياة وقيمتها، جونسون اعتنى بتلك الأفكار واعتنى ببناء شخصياته وعوالمها على نحو يجعله ربما من أكثر أفلام الخيال العلمي التي شاهدتها إنسانية ويوازن بقوة بين الدراما وبين الخيال ولكن ورغم حبكة الإثارة المبهرة التي يتمتع بها عمله ولكن لم يستطع أن يملئ تلك الحبكة بأحداث تفصيلية وجانبية على مستوى إثارة الحبكة والقصة العامة ومشاهد الأكشن في العمل باهتة جداً – على عكس ما شاهدنا بتأسيس على سبيل المثال أو تقرير الأقلية قبل عشر أعوام– وهذا هو عيب العمل.
العمل يبدو متأثراً جداً برائعة كاميرون The Terminator من خلال فكرة العودة بالزمن لتصفية المخلص الموعود بصغره قبل أن يكبر ولكن المعالجة مختلفة، إلا إنك لن تستطيع أن تزيح روح كاميرون عن العمل وعلى النقيض منه اعتنى جونسون بتفاصيل المستقبل الخاصة للشخصيات مهملاً تفاصيل المستقبل العام، العالم الجديد لا نعرف عنه سوى ملامح بسيطة هيمنة رجال العصابات تطور الطفرات الجينية ملامح إلى انتصار الصين في الصراع الاقتصادي مع أمريكا وملامح انحدار الحضارة الغربية ، جونسون يبدو كان متعمداً بذلك ليعطي للنوازع الشخصية أهميتها في الصراع بين الشخصيتين يجعل الصراع شخصي أكثر منه صراع على مستقبل البشرية – رغم إن الصراع بحقيقته هو حول شكل المستقبل القادم – بالمقابل المعالجة البصرية لجونسون ممتازة بصنعه لمستقبل قريب يحمل الكثير من سمات الحاضر ولكن بصورة مستقبلية، يبدو يستند على أرضية معاصرة لنسج تنبؤات سوداوية عن شكل المستقبل القريب والقليل عن شكل المستقبل البعيد على شاكلة ما قام به ألفونسو كوران بتحفته أطفال الرجال.
العمل يعمل بسوية عالية على الصورة الرائعة والمؤثرات البسيطة الممتازة مع نص شديد القوة موسيقى ممتازة ويعتمد جونسون بشكل كبير على ممثليه رغم قلة شخصياته، بروس ويليس وجوزيف جوردن لوفيت يقدمان أداءات رائعة جداً يمزجان بين القسوة وتضارب المشاعر الداخلية وصراعات الشخصية بطريقة موفقة جداً بالأخص من جوردن لوفيت، المكياج قام بدور ممتاز جداً بتقريب الشبه بين الشخصيتين وبينهما أميلي بلانت تقدم أداء جيد رغم مشهدها الأول المثير للسخرية وكأنها تقلد أحد أفلام الغرب الأمريكية بطريقة رديئة، بول دانو وجيف دانيلز يظهران بشكل جيد والطفل بيرس غاغنون قدم أداء رائع جداً .
9 / 10